سورة يس - تفسير تفسير أبي حيان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


هذه السورة مكية، إلا أن فرقة زعمت أن قوله: {ونكتب ما قدموا}، و{وآثارهم}، نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد الرسول، وليس زعماً صحيحاً. وقيل: إلا قوله: {وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله} الآية.
وتقدم الكلام في الحروف المقطعة في أول البقرة، قال ابن جبير هنا: إنه اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم، ودليله {إنك لمن المرسلين}. قال السيد الحميري:
يا نفس لا تمحضي بالود جاهدة *** على المودة إلا آل ياسيناً
وقال ابن عباس: معناه يا إنسان بالحبشية، وعنه هو في لغة طيء، وذلك أنهم يقولون إيسان بمعنى إنسان، ويجمعونه على أياسين، فهذا منه. وقالت فرقة: يا حرف نداء، والسين مقامة مقام إنسان انتزع منه حرف فأقيم مقامه. وقال الزمخشري: إن صح أن معناه يا إنسان في لغة طيء، فوجهه أن يكون أصله يا أنيسين، فكثر النداء على ألسنتهم حتى اقتصروا على شطره، كما قالوا في القسم: م الله في أيمن الله. انتهى. والذي نقل عن العرب في تصغيرهم إنسان أنيسيان بياء بعدها ألف، فدل على أن أصله أنيسان، لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها، ولا نعلمهم قالوا في تصغيره أنيسين، وعلى تقدير أنه بقية أنيسين، فلا يجوز ذلك، لا أن يبنى على الضم، ولا يبقى موقوفاً، لأنه منادي مقبل عليه، مع ذلك فلا يجوز لأنه تحقير، ويمتنع ذلك في حق النبوة. وقوله: كما قالوا في القسم م الله في أيمن الله، هذا قول. ومن النحويين من يقول: إن م حرف قسم وليس مبقى من أيمن. وقرئ: بفتح الياء وإمالتها محضاً، وبين اللفظين. وقرأ الجمهور: بسكون النون مدغمة في الواو؛ ومن السبعة: الكسائي، وأبو بكر، وورش، وابن عامر: مظهرة عند باقي السبعة. وقرأ ابن أبي إسحاق، وعيسى: بفتح النون. وقال قتادة: يس قسم. قال أبو حاتم: فقياس هذا القول فتح النون، كما تقول: الله لأفعلن كذا. وقال الزجاج: النصب، كأنه قال: اتل يس، وهذا على مذهب سيبويه أنه اسم للسورة. وقرأ الكلبي: بضم النون، وقال هي بلغة طيء: يا إنسان. وقرأ السماك، وابن أبي إسحاق أيضاً: بكسرها؛ قيل: والحركة لالتقاء الساكنين، فالفتح كائن طلباً للتخفيف والضم كحيث، والكسر على أصل التقائهما. وإذا قيل أنه قسم، فيجوز أن يكون معرباً بالنصب على ما قال أبو حاتم، والرفع على الابتداء نحو: أمانة الله لأقومن، والجر على إضمار حرف الجر، وهو جائز عند الكوفيين. والحكيم: إما فعيل بمعنى مفعل، كما تقول: عقدت العسل فهو عقيد: أي معقد، وإما للمبالغة من حاكم، وإما على معنى السبب، أي ذي حكمة.
{على صراط}: خبر ثان، أو في موضع الحال منه عليه السلام، أو من المرسلين، أو متعلق بالمرسلين. والصراط المستقيم: شريعة الإسلام.
وقرأ طلحة، والأشهب، وعيسى: بخلاف عنهما؛ وابن عامر، وحمزة، والكسائي: تنزيل، بالنصب على المصدر؛ وباقي السبعة، وأبو بكر، وأبو جعفر، وشيبة، والحسن، والأعرج، والأعمش: بالرفع مبتدأ محذوف، أي هو تنزيل؛ وأبو حيوة، واليزيدي، والقورصي عن أبي جعفر، وشيبة؛ بالخفض إما على البدل من القرآن، وإما على الوصف بالمصدر. {لتنذر}: متعلق بتنزيل أو بأرسلنا مضمرة. {ما أنذر}، قال عكرمة: بمعنى الذي، أي الشيء الذي أنذره آباؤهم من العذاب، فما مفعول ثان، كقوله: {إنا أنذرناكم عذاباً قريباً} قال ابن عطية: ويحتمل أن تكون ما مصدرية، أي {ما أنذرهم آباؤهم}، والآباء على هذا هم الأقدمون من ولد إسماعيل، وكانت النذارة فيهم. و{فهم} على هذا التأويل بمعنى فإنهم، دخلت الفاء لقطع الجملة من الجملة الواقعة صلة، فتتعلق بقوله: {إنك لمن المرسلين}. {لتنذر}، كما تقول: أرسلتك إلى فلان لتنذره، فإنه غافل، أو فهو غافل. وقال قتادة: ما نافية، أي أن آباءهم لم ينذروا، فآباؤهم على هذا هم القربيون منهم، وما أنذر في موضع الصفة، أي غير منذر آباؤهم، وفهم غافلون متعلق بالنفي، أي لم ينذروا فهم غافلون، على أن عدم إنذارهم هو سبب غفلتهم. وباعتبار الآباء في القدم والقرب يزول التعارض بين الإنذار ونفيه.
{لقد الحق على أكثرهم}: المشهور أن القول {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} وقيل: لقد سبق في علمه وجوب العذاب. وقيل: حق القول الذي قاله الله على لسان الرسل من التوحيد وغيره وبان برهانه؛ فأكثرهم لا يؤمنون بعذ ذلك. والظاهر أن قوله: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً} الآية هو حقيقة لا استعارة. لما أخبر تعالى أنهم لا يؤمنون، أخبر عن شيء من أحوالهم في الآخرة إذا دخلوا النار. قال ابن عطية: وقوله {فأغشناهم فهم لا يبصرون} يضعف هذا، لأن بصر الكافر يوم القيامة إنما هو حديد يرى قبح حاله. انتهى، ولا يضعف هذا. ألا ترى إلى قوله: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً} وقوله: {قال رب لما حشرتني أعمى} وإما أن يكون قوله: {فبصرك اليوم حديد} كناية عن إدراكه ما يؤول إليه، حتى كأنه يبصره. وقال الجمهور: ذلك استعارة. قال ابن عباس، وابن إسحاق: استعارة لحالة الكفرة الذين أرادوا الرسول بسوء، جعل الله هذا لهم مثلاً في كفه إياهم عنه، ومنعهم من أذاه حين بيتوه. وقال الضحاك، والفراء: استعارة لمنعهم من النفقة في سبيل الله، كما قال: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} وقال عكرمة: نزلت حين أراد أبو جهل ضربه بالحجر العظيم، وفي غير ذلك من المواطن، فمنعه الله؛ وهذا قريب من قول ابن عباس، فروى أن أبا جهل حمل حجراً ليدفع به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي، فانثنت يداه إلى عنقه حتى عاد إلى أصحابه والحجر في يده قد لزق، فما فكوه إلا بجهد، فأخذ آخر، فلما دنا من الرسول، طمس الله بصره فلم يره، فعاد إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه، فجعل الغل يكون استعارة عن منع أبي جهل وغيره في هذه القصة.
ولما كان أصحاب أبي جهل راضين بما أراد أن يفعل، فنسب ذلك إلى جمع. وقالت فرقة: استعارة لمنع الله إياهم من الإيمان وحوله بينهم وبينه. قال ابن عطية: وهذا أرجح الأقوال، لأنه تعلى لما ذكر أنهم لا يؤمنون، لما سبق لهم في الأزل عقب ذلك بأن جعل لهم من المنع وإحاطة الشقاوة ما حالهم معه حال المغلوين. انتهى. وقال الزمخشري: مثل تصمميهم على الكفر، وأنه لا سبيل إلى دعواهم بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا يطأطئون رؤوسهم له، وكالحاصلين بين سدين لا يبصرون ما قدامهم ولا ما خلفهم في أن لا تأمل لهم ولا يبصرون، إنهم متعامون عن النظر في آيات الله تعالى. انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال. ألا ترى إلى قول أهل السنة استعارة لمنع الله إياهم من الإيمان؟ وقول الزمخشري مثل تصمميهم ونسبته الأفعال التي يعدها إليهم لا إلى الله. والغل ما أحاط بالعنق على معنى التعنيف والتضييق والتعذيب والأسر، ومع العنق اليدان أو اليد الواحدة على معنى التعليل. والظاهر عود الضمير في فهي إلى الأغلال، لأنها هي المذكورة والمحدث عنها. قال ابن عطية: هي عريضة تبلغ بحرفها الأذقان، والذقن مجتمع اللحيين، فيضطر المغلول إلى رفع وجهه نحو السماء، وذلك هو الإقماح، وهو نحو الأقناع في الهيئة. وقال الزمخشري: الأغلال وأصله إلى الأذقان مكزوزة إليها، وذلك أن طوق الغل الذي هو عنق المغلول يكون في ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقة فيها رأس العمود نادراً من الحلقة إلى الذقن، فلا تخليه يطاطئ رأسه ويوطئ قذاله، فلا يزال مقمحاً. انتهى. وقال الفراء: القمح الذي يغض بصره بعد رفع رأسه. وقال الزجاج نحوه قال: يقال قمح البعير رأسه عن ري وقمح هو. وقال أبو عبيدة: قمح قموحاً: رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب، والجمع قماح، ومنه قول بشر يصف ميتة أحدهم ليدفنها:
ونحن على جوانبها قعود *** نغض الطرف كالإبل القماح
وقال الليث: هو رفع البعير رأسه إذا شرب الماء الكريه ثم يعود. وقال الزجاج: للكانونين شهرا قماح، لأن الإبل إذا وردت الماء ترفع رؤوسها لشدة برده، وأنشد أبو زيد بيت الهذلي:
فتى ما ابن الأعز إذا شتونا *** وحب الزاد في شهري قماح
رواه بضم القاف، وابن السكيت بكسرها، وهما لغتان. وسميا شهري قماح لكراهة كل ذي كبد شرب الماء فيه. وقال الحسن: القامح: الطافح ببصره إلى موضع قدمه.
وقال مجاهد: الرافع الرأس، الواضح يده على فيه. وقال الطبري: الضمير في فهي عائد على الأيدي، وإن لم يتقدم لها ذكر، لوضوح مكانها من المعنى، وذلك أن الغل إنما يكون في العنق مع اليدين، ولذلك سمي الغل جامعة لجمعه اليد والعنق. وأرى علي، كرم الله وجهه، الناس الأقماح، فجعل يديه تحت لحييه وألصقهما ورفع رأسه. وقال الزمخشري: جعل الأقماح نتيجة قوله: {فهي إلى الأذقان}. ولو كان الضمير للأيدي، لم يكن معنى التسبب في الأقماح ظاهراً. على أن هذا الإضمار فيه ضرب من التعسف وترك الظاهر الذي يدعوه المعنى إلى نفسه إلى الباطل الذي يجفو عنه ترك للحق الأبلج إلى الباطل اللجلج. انتهى. وقرأ عبد الله، وعكرمة، والنخعي، وابن وثاب، وطلحة، وحمزة، والكسائي، وابن كثير، وحفص: {سداً} بفتح السين فيهما؛ والجمهور: بالضم، وتقدم شرح السد في الكهف. وقرأ الجمهور: {فأغشيناهم} بالغين منقوطة؛ وابن عباس، وعمر بن عبد العزيز، وابن يعمر، وعكرمة، والنخعي، وابن سيرين، والحسن، وأبو رجاء، وزيد ابن علي، ويزيد البربري، ويزيد بن المهلب، وأبو حنيفة، وابن مقسم: بالعين من العشاء، وهو ضعف البصر، جعلنا عليها غشاوة. {وسواء عليهم} الآية: تقدّم الكلام على نظيرها تفسيراً وإعراباً في أول البقرة.
{إنما تنذر}: تقدم {لتنذر قوماً}، لكنه لما كان محتوماً عليهم أن لا يؤمنوا حتى قال: {وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}، لم يجد الإنذار لانتفاء منفعته فقال: {إنما تنذر}: أي إنذاراً ينفع من اتبع الذكر، وهو القرآن. قال قتادة: أو الوعظ. {وخشي الرحمن}: أي المتصف بالرحمة، مع أن الرحمة قد تعود إلى الرجاء، لكنه مع علمه برحمته هو يخشاه خوفاً من أن يسلبه ما أنعم به عليه بالغيب، أي بالخلوة عند مغيب الإنسان عن غيوب البشر. ولما أحدث فيه النذارة، بشره بمغفرة لما سلف؛ {وأجر كريم} على ما أسلف من العمل الصالح، وهو الجنة.
ولما ذكر تعالى الرسالة، وهي أحد الأصول الثلاثة التي بها يصير المكلف مؤمناً، ذكر الحشر، وهو أحد الأصول الثلاثة. والثالث هو توحيد، فقال: {إنا نحن نحيي الموتى}: أي بعد مماتهم. وأبعد الحسن والضحاك في قوله: إحياؤهم: إخراجهم من الشرك إلى الإيمان. {ونكتب ما قدموا}، كناية عن المجازاة: أي ونحصي، فعبر عن إحاطة علمه بأعمالهم بالكتابة التي تضبط بها الأشياء. وقرأ زر ومسروق: ويكتب ما قدموا وآثارهم بالياء مبنياً للمفعول، وما قدموا من الأعمال. وآثارهم: خطاهم إلى المساجد. وقال: السير الحسنة والسيئة. وقيل: ما قدّموا من السيئات وآثارهم من الأعمال. وقال الزمخشري: ونكتب ما أسلفوا من الأعمال الصالحات غيرها، وما هلكوا عنه من أثر حسن، كعلم علموه، وكتاب صنفوه، أو حبيس أحبسوه، أو بناء بنوه من مسجد أو رباط أو قنطرة أو نحو ذلك، أو سيء كوظيفة وظفها بعض الظلام على المسلمين، وسكة أحدثها فيها تحيرهم، وشيء أحدث فيه صد عن ذكر الله من ألحان وملاه، وكذلك كل سنة حسنة، أو سيئة يستن بها، ونحوه قوله عز وجل: {ينبؤ الإنسان يومئذ بما قدّم وأخر} من آثاره. انتهى. وقرأ الجمهور: {وكل شيء} بالنصب على الاشتغال. وقرأ أبو السمال: بالرفع على الابتداء. والإمام المبين: اللوح المحفوظ، قاله مجاهد وقتادة وابن زيد، وقالت فرقة: أراد صحف الأعمال.


تقدم الكلام على {اضرب} مع المثل في قوله: {إن يضرب مثلاً ما بعوضة} والقرية: أنطاكية، فلا خلاف في قصة أصحاب القرية. {إذ جاءها المرسلون}: هم ثلاثة، جمعهم في المجيء، وإن اختلفوا في زمن المجيء. {إذا أرسلنا إليهم اثنين}. الظاهر من أرسلنا أنهم أنبياء أرسلهم الله، ويدل عليه قوله المرسل إليهم: {ما أنتم إلا بشر مثلنا}. وهذه المحاورة لا تكون إلا مع من أرسله الله، وهذا قول ابن عباس وكعب. وقال قتادة وغيرهم من الحواريين: بعثهم عيسى عليه السلام حين رفع وصلب الذي ألقي عليه الشبه، فافترق الحواريون في الآفاق، فقص الله قصة الذين ذهبوا إلى أنطاكية، وكان أهلها عباد أصنام، صادق وصدوق، قاله وهب وكعب الأحبار. وحكى النقاش بن سمعان: ويحنا. وقال مقاتل: تومان ويونس. {فكذبوهما}، أي دعواهم إلى الله، وأخيراً بأنهما رسولا الله، {فكذبوهما فعززنا بثالث}: أي قوينا وشددنا، قاله مجاهد وابن قتيبة، وقال؛ يقال تعزز لحم الناقة إذا صلب، وقال غيره: يقال المطر يعزز الأرض إذا لبدها وشدها، ويقال للأرض الصلبة القرآن، هذا على قراءة تشديد الزاي، وهي قراءة الجمهور. وقرأ الحسن، وأبو حيوة، وأبو بكر، والمفضل، وأبان: بالتخفيف. قال أبو علي: فغلبنا. انتهى، وذلك من قولهم من عزني، وقوله تعالى: {وعزني في الخطاب} وقرأ عبد الله: بالثالث، بألف ولام، والثالث شمعون الصفا، قاله ابن عباس. وقال كعب، ووهب: شلوم؛ وقيل: يونس. وحذف مفعول فعززنا مشدداً، أي قويناهما بثالث مخففاً، فغلبناهم: أي بحجة ثالث وما يلطف به من التوصل إلى الدعاء إلى الله حتى من الملك على ما ذكر في قصتهم، وستأتي هي أو بعض منها إن شاء الله. وجاء أولاً مرسلون بغير لام لأنه ابتداء إخبار، فلا يحتاج إلى توكيد بعد المحاورة. {لمرسلون} بلام التوكيد لأنه جواب عن إنكار، وهؤلاء أمة أنكرت النبوات بقولها: {وما أنزل الرحمن من شيء}، وراجعتهم الرسل بأن ردوا العلم إلى الله وقنعوا بعلمه، وأعلموهم أنهم إنما عليهم البلاغ فقط، وما عليهم من هداهم وضلالهم، وفي هذا وعيد لهم. ووصف البلاغ بالمبين، وهو الواضح بالآيات الشاهدة بصحة الإرسال، كما روي في هذه القصة من المعجزات الدالة على صدق الرسل من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الميت.
{قالوا إنا تطيرنا بكم}: أي تشاء منا. قال مقاتل: احتبس عليهم المطر. وقال آخر: أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم الرسل. قال ابن عطية: والظاهر أن تطير هؤلاء كان سبب ما دخل فيهم من اختلاف الكلمة وافتتان الناس، وهذا على نحو تطير قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعلى نحو ما خوطب به موسى عليه السلام. وقال الزمخشري: وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منه نفوسهم، وعادة الجهال أن يتمنوا بكل شيء مالوا إليه واشتهوه وقبلته طباعهم، ويشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه، فإن أصابتهم نعمة أو بلاء قالوا: ببركة هذا وبشؤم هذا، كما حكى الله عن القبط: {وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه} وعن مشركى مكة: {وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك} انتهى. وعن قتادة: إن أصابنا شيء كان من أجلكم. {لنرجمنكم} بالحجارة، قاله قتادة. {عذاب أليم}: هو الحريق.
{قالوا طائركم معكم}: أي حظكم وما صار لكم من خير أو شر معكم، أي من أفعالكم، ليس هو من أجلنا بل بكفركم. وقرأ الحسن، وابن هرمز، وعمرو بن عبيد، وزر بن حبيش: طيركم بياء ساكنة الطاء. وقرأ الحسن فيما نقل: اطيركم مصدر اطير الذي أصله تطير، فأدغمت التاء في الطاء، فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر. وقرأ الجمهور: طائركم على وزن فاعل. وقرأ الجمهور: {أئن ذكرتم} بهمزتين، الأولى همزة الاستفهام، والثانية همزة إن الشرطية، فخففها الكوفيون وابن عامر، وسهلها باقي السبعة. وقرأ زر: بهمزتين مفتوحتين، وهي قراءة أبي جعفر وطلحة، إلا أنها البناء الثانية بين بين. وقال الشاعر في تحقيقها:
أإن كنت داود بن أحوى مرحلاً *** فلست بداع لابن عمك محرماً
والماجشوني، وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن عبدالله بن أبي سلمة المدني: بهمزة واحدة مفتوحة؛ والحسن: بهاء مكسورة؛ وأبو عمرو في رواية، وزر أيضاً: بمدة قبل الهمزة المفتوحة، استثقل اجتماعهما ففضل بينهما بألف. وقرأ أبو جعفر أيضاً، والحسن أيضاً، وقتادة، وعيس الهمداني، والأعمش: أين بهمزة مفتوحة وياء ساكنة، وفتح النون ظرف مكان. وروي هذا عن عيسى الثقفي أيضاً. فالقراءة الأولى على معنى: إن ذكرتم تتطيرون، بجعل المحذوف مصب الاستفهام، على مذهب سيبويه، بجعله للشرط، على مذهب يونس؛ فإن قدرته مضارعاً كان مجزوماً. والقراءة الثانية على معنى: ألان ذكرتم تطيرتم، فإن مفعول من أجله، وكذلك الهمزة الواحدة المفتوحة والتي بمدة قبل الهمزة المفتوحة؛ وقراءة الهمزة المكسورة وحدها، فحرف شرط بمعنى الإخبار، أي إن ذكرتم تطيرتم. والقراءة الثانية الأخيرة أين فيها ظرف أداة الشرط، حذف جزاؤه للدلالة عليه وتقديره: أين ذكرتم صحبكم طائركم، ويدل عليه قوله: {طائركم معكم}. ومن جوز تقديم الجزاء على الشرط، وهم الكوفيون وأبو زيد والمبرد، يجوز أن يكون الجواب {طائركم معكم}، وكان أصله: أين ذكرتم فطائركم معكم، فاما قدم حذفت الفاء. وقرأ الجمهور: ذكرتم، بتشديد الكاف؛ وأبو جعفر، وخالد بن الياس، وطلحة، والحسن، وقتادة. وأبو حيوة، والأعمش من طريق زائدة، والأصمعي عن نافع: بتخفيفها. {بل أنتم قوم مسرفون}: مجاوزون الحد في ضلالكم، فمن ثم أتاكم الشؤم.
{وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} اسمه حبيب، قاله ابن عباس وأبو مجلز وكعب الأحبار ومجاهد ومقاتل. قيل: وهو ابن إسرائيل، وكان قصاراً، وقيل: إسكافاً، وقيل: كان ينحت الأصنام، ويمكن أن يكون جامعاً لهذه الصنائع.
و {من أقصى المدينة}: أي من أبعد مواضعها. فقيل: كان في خارج المدينة يعاني زرعاً له. وقيل: كان في غار يعبد ربه. وقيل: كان مجذوماً، فميزله أقصى باب من أبوابها، عبد الأصنام سبعين سنة يدعوهم لكشف ضره. فلما دعاه للرسل إلى عبادة الله قال: هل من آية؟ قالوا: نعم، ندعو ربنا القادر يفرج عنك ما بك، فقال: إن هذا لعجيب! لي سبعون سنة أدعو هذه الآلهة فلم تستطع، يفرجه ربكم في غداة واحدة؟ قالوا: نعم، ربنا على ما يشاء قدير، وهذه لا تنفع شيئاً ولا تضر، فآمن. ودعوا ربهم، فكشف الله ما به، كأن لم يكن به بأس. فأقبل على التكسب، فإذا مشى، تصدق بكسبه، نصف لعياله، ونصف يطعمه. فلما هم قومه بقتل الرسل جاءهم فقال: {يا قوم اتبعوا المرسلين}. وحبيب هذا ممن آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينهما ستمائة سنة، كما آمن به تبع الأكبر، وورقة بن نوفل وغيرهما، ولم يؤمن بني غيره أحد إلا بعد ظهوره.
وقال ابن أبي ليلى: سباق الأمم ثلاثة، لم يكفروا قط طرفة عين: على بن أبي طالب، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون. وأورد الزمخشري قول ابن أبي ليلى حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدم قبل من حاله أنه كان مجذوماً، عبد الأصنام سبعين سنة، فالله أعلم. وهنا تقدم: {من أقصى المدينة}، وفي القصص تأخر، وهو من التفنن في البلاغة. {رجل يسعى}: يمشي على قدميه. {قال يا قوم اتبعوا المرسلين}. الظاهر أنه لا يقول ذلك بعد تقدم إيمانه، كما سبق في قصة. وقيل: جاء عيسى وسمع قولهم وفهمه فيما فهمه. روي أنه تعقب أمرهم وسبره بأن قال لهم: أتطلبون أجراً على دعوتكم هذه؟ قالوا: لا، فدعا عند ذلك قومه إلى اتباعهم والإيمان بهم، واحتج عليهم بقوله: {اتبعوا من لايسألكم أجراً وهم مهتدون}: أي وهم هدى من الله. أمرهم أولاً باتباع المرسلين، أي هم رسل الله إليكم فاتبعوهم، ثم أمرهم ثانياً بجمله جامعة في الترغيب، في كونهم لا ينقص منهم من حطام دنيانهم شيء، وفي كونهم يهتدون بهداهم، فيشتملون على خيري الدنيا والآخرة. وقد أجاز بعض النحويين في {من} أن تكون بدلاً من {المرسلين}، ظهر فيه العامل كما ظهر إذا كان حرف جر، كقوله تعالى: {لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم} والجمهور: لا يعربون ما صرح فيه بالعامل الرافع والناصب، بدلاً، بل يجعلون ذلك مخصوصاً بحرف الجر. وإذا كان الرافع والناصب، سموا ذلك بالتتبيع لا بالبدل. وفي قوله: {اتبعوا من لا يسألكم أجراً}، دليل على نقص من يأخذ أجراً على شيء من أفعال الشرع التي هي لازمة له، كالصلاة.
ولما أمرهم باتباع المرسلين، أخذ يبدي الدليل في اتباعهم وعبادة الله، فأبرزه في صورة نصحه لنفسه، وهو يريد نصحهم ليتلطف بهم ويراد بهم؛ ولأنه أدخل في إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه، فوضح قوله: {ومالي لا أعبد الذين فطرني}، موضع: وما لكم لا تعبدون الذي فطركم؟ ولذلك قال: {وإليه ترجعون}، ولولا أنه قصد ذلك لقال: وإليه أرجع.
ثم أتبع الكلام كذلك مخاطباً لنفسه فقال: {أأتخذ من دونه آلهة} قاصرة عن كل شيء، لا تنفع ولا تضر؟ فإن أرادكم الله بضر، وشفعت لكم، لم تنفع شفاعتهم، ولم يقدروا على إنقاذكم فيه، أولاً بانتفاء الجاه عن كون شفاعتهم لا تنفع، ثم ثانياً بانتفاء القدر. فعبر بانتفاء الإنقاذ عنه، إذ هو نتيجته. وفتح ياء المتكلم في يردني مع طلحة السمان، كذا في كتاب ابن عطية، وفي كتاب ابن خالويه طلحة بن مطرف، وعيسى الهمذاني، وأبو جعفر، ورويت عن نافع وعاصم وأبي عمرو. وقال الزمخشري: وقرئ إن يردني الرحمن بضر بمعنى: إن يجعلني مورداً للضر. انتهى. وهذا والله أعلم رأي في يكتب القراءات، يردني بفتح الياء، فتوهم أنها ياء المضارعة، فجعل الفعل متعدياً بالياء المعدية كالهمزة، فلذلك أدخل عليه همزة التعدية، ونصب به اثنين. والذي في كتب القراء الشواذ أنها ياء الإضافة المحذوفة خطأ ونطقاً لالتقاء الساكنين. قال في كتاب ابن خالويه: بفتح ياء الإضافة. وقال في اللوامح: إن يردني الرحمن بالفتح، وهو أصل الياء عند البصرية، لكن هذه محذوفة، يعني البصرية، أي المثبتة بالخط البربري بالبصر، لكونها مكتوبة بخلاف المحذوفة خطأً ولفظاً، فلا ترى بالبصر. {إني إذا}، إن لم أعبد الذي فطرني واتخذت آلهة من دونه، في حيرة واضحة لكل ذي عقل صحيح.
ثم صرح بإيمانه وصدع بالحق، فقال مخاطباً لقومه: {إني آمنت بربكم}: أي الذي كفرتم به، {فاسمعون}: أي اسمعوا قولي وأطيعون، فقد نبهتكم على الحق، وأن العبادة لا تكون إلا لمن منه نشأتكم وإليه مرجعكم. والظاهر أن الخطاب بالكاف والميم وبالواو، وهو لقومه، والأمر على جهة المبالغة والتنبيه، قال ابن عباس وكعب ووهب. وقيل: خاطب بقوله {فاسمعون} الرسل، على جهة الاستشهاد بهم والاستحفاظ للأمر عندهم. وقيل: الخطاب في {بربكم}، وفي {فاسمعون} للرسل. لما نصح قومه أخذوا يرجمونه، فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال ذلك، أي اسمعوا إيماني واشهدوا لي به.
{قيل أدخل الجنة}: ظاهره أن أمر حقيقي. وقيل: معناه وجبت لك الجنة، فهو خبر بأنه قد استحق دخولها، ولا يكون إلا بعد البعث، ولم يأت في القرآن أنه قتل. فقال الحسن: لما أراد قومه قتله، رفعه الله إلى السماء، فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السموات وهلاكه الجنة، فإذا أعاد الله الجنة دخلها. وقيل: لما قال ذلك، رفعوه إلى الملك، فطول معهم الكلام ليشغلهم عن قتل الرسل إلى أن صرح لهم بإيمانه، فوثبوا عليه فقتلوه بوطء الأرجل حتى خرج قلبه من دبره وألقي في بئر، وهي الرس.
وقال السدي: رموه بالحجارة وهو يقول: «اللهم اهد قومي»، حتى مات. وقال الكلبي: رموه في حفرة، وردوا التراب عليه فمات. وعن الحسن: حرقوه حرقاً، وعلقوه في باب المدينة، وقبره في سور أنطاكية. وقيل: نشروه بالمناشير حتى خرج من بين رجليه. وعن قتادة: أدخله الله الجنة، وهو فيها حي يرزق. أراد قوله تعالى: {بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين} وفي النسخة التي طالعنا من تفسير ابن عطية ما نصه. وقرأ الجمهور: فاسمعون بفتح النون. قال أبو حاتم: هذا خطأ لا يجوز لأنه أمر، فإما حذف النون، وإما كسرها على جهة البناء. انتهى، يعني ياء المتكلم والنون للوقاية. وقوله: وقرأ الجمهور وهم فاحش، ولا يكون، والله أعلم، إلا من الناسخ؛ بل القراء مجمعون فيما أعلم على كسر النون، سبعتهم وشواذهم، إلا ما روي عن عصمة عن عاصم من فتح النون، ذكره في الكامل مؤلف أبي القاسم الهذلي، ولعل ذلك وهم من عصمة. وقال ابن عطية: هنا محذوف تواترت به الأحاديث والروايات، وهو أنهم قتلوه، فقيل له عند موته: {ادخل الجنة}، وذلك، والله أعلم، بأن عرض عليه مقعده منها، وتحقق أنه من ساكنيها، فرأى ما أقر عينه، فلما حصل ذلك، تمنى أن يعلم قومه بذلك. انتهى. وقول: {قي ادخل الجنة} كأنه جواب لسائل عن حاله عند لقاء ربه بعد ذلك التصلب في دينه فقيل: {ادخل الجنة}، ولم يأت التركيب: قيل له، لأنه معلوم أنه المخاطب، وتمنيه علم قومه بذلك هو مرتب على تقدير سؤال عن ما وجد من قوله عند ذلك استيفاقاً ونصحاً لهم، أي لو علموا ذلك لآمنوا بالله. وفي الحديث: «نصح قومه حياً وميتاً» وقيل: تمنى ذلك ليعلموا أنهم كانوا على خطأ في أمره، وهو على صواب، فيندموا ويحزنهم ذلك ويبشر بذلك. وموجود في طباع النشر أن من أصاب خيراً في غير موطنه، ودَّ أن يعلم بذلك جيرانه وأترا به الذين نشأ فيهم. وبلغنا أن الوزير ذنك الدين المسيري، وكان وزيراً لملك مصر، راح إلى قريته التي كان منها، وهي مسير، وهي من أصغر قرى مصر، فقيل له في ذلك، فقال: أردت أن يراني عجائز مسير في هذه الحالة التي أنا فيها، قال الشاعر:
والعز مطلوب وملتمس *** وأحبه ما نيل في الوطن
والظاهر أن ما في قوله: {بما غفر لي ربي} مصدرية، جوزوا أن يكون بمعني الذي، والعائد محذوف تقديره: بالذي غفره لي ربي من الذنوب، وليس هذا بجيد، إذ يؤول إلى تمني علمهم بالذنوب المغفرة، والذي يحسن تمني علمهم بمغفرة ذنوبه وجعله من المكرمين.
وأجاز الفراء أن تكون ما استفهاماً. وقال الكسائي: لو صح هذا، يعني الاستفهام، لقال بم من غير ألف. وقال الفراء: يجوز أن يقال بما بالألف، وأنشد فيه أبياتاً. وقال الزمخشري: ويحتمل أن تكون استفهامية، يعني بأي شيء غفر لي ربي، يريد ما كان منه معهم من المصابرة لاعزاز دين الله حتى قيل: إن قولك {بما غفر لي ربي} يريد ما كان منه معهم بطرح الألف أجود، وإن كان إثباتها جائزاً فقال: قد علمت بما صنعت هذا وبم صنعت. انتهى. والمشهور أن إثبات الألف في ما الاستفهامية، إذا دخل عليها حرف جر، مختص بالضرورة، نحو قوله:
على ما قام يشتمني لئيم *** كخنزير تمرغ في رماد
وحذفها هو المعروف في الكلام، نحو قوله:
على م يقول الرمح يثقل كاهلي *** إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت
وقرئ: من المكرمين، مشدد الراء مفتوح الكاف؛ والجمهور: بإسكان الكاف وتخفيف الراء.


أخبر تعالى بإهلاك قوم حبيب بصيحة واحدة صاح بهم جبريل، وفي ذلك توعد لقريش أن يصيبهم ما أصابهم، إذ هم المضروب لهم المثل. وأخبر تعالى أنه لم ينزل عليهم لإهلاكهم جنداً من السماء، كالحجارة والريح وغير ذلك، وكانوا أهون عليه. وقوله: {من بعده}، يدل على ابتداء الغاية، أي لم يرسل إليهم رسولاً، ولا عاتبهم بعد قتله، بل عاجلهم بالهلاك. والظاهر أن ما في قوله: {ومكنا منزلين} نافية، فالمعنى قريب من معنى الجملة قبلها، أي وما كان يصح في حكمنا أن ننزل في إهلاكهم جنداً من السماء، لأنه تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض، كما قال: {فكلاً أخذنا بذنبه} الآية. وقالت فرقة: ما اسم معطوف على جند. قال ابن عطية: أي من جند ومن الذي كنا منزلين على الأمم مثلهم. انتهى، وهو تقدير لا يصح، لأن من في من جند زائدة. ومذهب البصريين غير الأخفش أن لزيادتها شرطين: أحدهما: أن يكون قبلها نفي، أو نهي، أو استفهام. والثاني: أن يكون بعدها نكرة، وإن كان كذلك، فلا يجوز أن يكون المعطوف على النكرة معرفة. لا يجوز: ما ضربت من رجل ولا زيد، وإنه لا يجوز: ولا من زيد، وهو قدر المعطوف بالذي، وهو معرفة، فلا يعطف على النكرة المجرورة بمن الزائدة. وقال أبو البقاء: ويجوز أن تكون ما زائدة، أي وقد كنا منزلين، وقوله ليس بشيء.
وقرأ: {إن كانت إلا صيحة}، بنصب الصيحة، وكان ناقصة واسمها مضمر، أي إن كانت الأخذة أو العقوبة. وقرأ أبو جعفر، وشيبة، ومعاذ بن الحارث القارئ: صيحة بالرفع في الموضعين على أن كانت تامة، أي ما خدثت أو وقعت إلا صيحة، وكان الأصل أن لا يلحق التاء، لأنه إذا كان الفعل مسنداً إلى مابعد إلا من المؤنث، لم تلحق العلامة للتأنيث فيقول: ما قام إلا هند، ولا يجوز: ما قامت إلا هند، عند أصحابنا إلا في الشعر، وجوزه بعضهم في الكلام على قلة. ومثله قراءة الحسن، ومالك بن دينار، وأبي رجاء، والجحدري، وقتادة، وأبي حيوة، وابن أبي عبلة، وأبي بحرية: لا ترى إلا مساكتهم بالتاء، والقراءة المشهورة بالياء، وقول ذي الرمة:
وما بقيت إلا الضلوع الجراشع ***
وقول الآخر:
ما برئت من ريبة وذمّ *** في حربنا إلا بنات العمّ
فأنكر أبو حاتم وكثير من النحويين هذه القراءة بسبب لحوق تاء التأنيث. {فإذا هم خامدون}: أي فاجأهم الخمود إثر الصيحة، لم يتأخر. وكنى بالخمود عن سكوتهم بعد حياتهم، كنار خمدت بعد توقدها. ونداء الحسرة على معنى هذا وقت حضورك وظهورك، هذا تقدير نداء، مثل هذا عند سيبويه، وهو منادى منكور على قراءة الجمهور.
وقرأ أبيّ، وابن عباس، وعلي بن الحسين، والضحاك، ومجاهد، والحسن: يا حسرة العباد، على الإضافة، فيجوز أن تكون الحسرة منهم على ما فاتهم، ويجوز أن تكون الحسرة من غيرهم عليهم، لما فاتهم من اتباع الرسل حين أحضروا للعذاب؛ وطباع البشر تتأثر عند معاينة عذاب غيرهم وتتحسر عليهم.
وقرأ أبو الزناد، وعبد الله بن ذكوان المدني، وابن هرمز، وابن جندب: {يا حسرة على العباد}، بسكون الهاء في الحالين حمل فيه الوصل على الوقف، ووقفوا على الهاء مبالغة في التحسر، لما في الهاء من التأهه كالتأوّه، ثم وصلوا على تلك الحال، قاله صاحب اللوامح. وقال ابن خالويه: يا حسرة على العباد بغير تنوين، قاله ابن عباس، انتهى، ووجهه أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف التي هي بدل من ياء المتكلم في النداء، كما اجتزأ بالكسرة عن الياء فيه. وقد قرئ: يا حسرتا، بالألف، أي يا حسرتي، ويكون من الله على سبيل الاستعارة في معنى تعظيم ما جنوه على أنفسهم، وفرط إنكاره وتعجيبه منه. والظاهر أن العباد هم مكذبو الرسل، تحسرت عليهم الملائكة، قاله الضحاك. وقال الضحاك أيضاً: المعنى يا حسرة الملائكة على عبادنا الرسل حتى لم ينفعهم الإيمان لهم. وقال أبو العالية: المراد بالعباد الثلاثة، وكان هذا التحسر هو من الكفار، حين رأوا عذاب الله تلهفوا على ما فاتهم. قال ابن عطية: وقوله {ما يأتيهم} الآية يدفع هذا التأويل. انتهى. قال الزجاج: الحسرة أمر يركب الإنسان من كثرة الندم على ما لا نهاية له حتى يبقى حسيراً. وقيل: المنادى محذوف، وانتصب حسرة على المصدر، أي يا هؤلاء تحسروا حسرة. وقيل: {ياحسرة على العباد} من قول الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، لما وثب القوم ولقتله. وقيل: هو من قول الرسل الثلاثة، قالوا ذلك حين قتلوا ذلك الرجل وجل بهم العذاب، قالوا: يا حسرة على هؤلاء، كأنهم تمنوا أن يكونوا قد آمنوا. انتهى. فالألف واللام للعهد إذا قلنا إن العباد المراد بهم الرسل الثلاثة أو من أرسلوا إليه وهم الهالكون بسبب كفرهم وتكذيبهم إياهم. والظاهر أنها لتعريف جنس الكفار المكذبين وتلخص أن المتحسر الملائكة أو الله تعالى أو المؤمنون أو الرسل الثلاثة أو ذلك الرجل، أقوال.
{ما يأتيهم} إلى آخر الآية: تمثيل لقريش، وهم الذين عاد عليهم الضمير في قوله {ألم يروا كم أهلكنا}. قال ابن عطية: وكم هنا خبرية، وأنهم بدل منها، والرؤية رؤية البصر. انتهى. فهذا لا يصح، لأنها إذا كانت خبرية فهي في موضع نصب بأهلكنا، ولا يسوغ فيها إلا ذلك. وإذا كان كذلك، امتنع أن يكون أنهم بدل منها، لأن البدل على نية تكرار العامل، ولو سلطت أهلكنا على أنهم لم يصح. ألا ترى أنك لو قلت أهلكنا انتفاء رجوعهم، أو أهلكنا كونهم لا يرجعون، لم يكن كلاماً؟ لكن ابن عطية توهم أن يروا مفعوله كم، فتوهم أن قولهم أنهم لا يرجعون بدل، لأنه يسوغ أن يتسلط عليه فتقول: ألم يروا أنهم لا يرجعون؟ وهذا وأمثاله دليل على ضعفه في علم العربية.
وقال الزجاج: هو بدل من الجملة، والمعنى: ألم يروا أن القرون التي أهلكناها إليهم لا يرجعون، لأن عدم الرجوع والهلاك بمعنى النهي. وهذا الذي قاله الزجاج ليس بشيء، لأنه ليس بدلاً صناعياً، وإنما فسر المعنى ولم يلحظ صنعة النحو. وقال أبو البقاء: أنهم إليهم. انتهى، وليس بشيء، لأن كم ليس بمعمول ليروا. ونقل عن الفراء أنه يعمل يروا في الجملتين من غير إبدال، وقولهم في الجملتين تجوز، لأن أنهم وما بعده ليس بجملة، ولم يبين كيفية هذا العمل. وقال الزمخشري: {ألم يروا}: ألم يعلموا، وهو معلق عن العمل في كم، لأن كم لا يعمل فيها عامل قبلها كانت للاستفهام أو للخبر، لأن أصلها الاستفهام، إلا أن معناها نافذ في الجملة، كما نفذ في قولك: ألم يروا أن زيداً لمنطلق؟ وأن لم تعمل في لفظه. و{أنهم إليهم لا يرجعون} بدل من {أهلكنا} على المعنى لا على اللفظ تقديره: ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم؟ انتهى. فجعل يروا بمعنى يعلموا، وعلقها على العمل في كم. وقوله: لأن كم لا يعمل فيها ما قبلها، كانت للاستفهام أو للخبر، وهذا ليس على إطلاقه، لأن العامل إذا كان حرف جر أو اسماً مضافاً جاز أن يعمل فيها، نحوكم على: كم جذع بيتك؟ وأين: كم رئيس صحبت؟ وعلى: كم فقير تصدّقت؟ أرجو الثواب، وأين: كم شهيد في سبيل الله أحسنت إليه؟ وقوله: أو للخبر الخبرية فيها لغتان: الفصيحة كما ذكر لا يتقدمها عامل إلا ما ذكرنا من الجار واللغة الأخرى، حكاها الأخفش؛ يقولون فيها: ملكت كم غلام؟ أي ملكت كثيراً من الغلمان. فكما يجوز أن يتقدم العامل على كثير، كذلك يجوز أن يتقدم على كم لأنها بمعناها. وقوله: لأن أصلها الاستفهام، ليس أصلها الاستفهام، بل كل واحدة أصل في بابها، لكنها لفظ مشترك بين الاستفهام والخبر. وقوله: إلا أن معناها نافذ في الجملة، يعني معنى يروا نافذ في الجملة، لأن جعلها معلقة، وشرح يروا بيعلموا. وقوله: كما تقدم في قولك: ألم يروا أن زيداً لمنطلق؟ فإن زيداً لمنطلق معمول من حيث المعنى ليروا، ولو كان عاملاً من حيث اللفظ لم تدخل اللام، وكانت أن مفتوحة، فإن وفي خبرها اللام من الأدوات التي تعلق أفعال القلوب. وقوله: و{أنهم لا يرجعون} إلى آخر كلامه لا يصح أن يكون بدلاً، لا على اللفظ ولا على المعنى. أما على اللفظ فإنه زعم أن يروا معلقة، فيكون كم استفهاماً، وهو معمول لأهلكنا، وأهلكنا لا يتسلط على {أنهم إليهم لا يرجعون}، وتقدّم لنا ذلك.
وأما على المعنى، فلا يصح أيضاً، لأنه قال تقديره، أي على المعنى: ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم؟ فكونهم غير كذا ليس كثرة الإهلاك، فلا يكون بدل كل من كل، ولا بعضاً من الإهلاك، ولا يكون بدل بعض من كل، ولا يكون بدل اشتمال، لأن بدل الاشتمال يصح أن يضاف إلى ما أبدل منه، وكذلك بدل بعض من كل، وهذا لا يصح هنا. لا تقول: ألم يروا انتفاء رجوع كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم، وفي بدل الاشتمال نحو: أعجبني الجارية ملاحتها، وسرق زيد ثوبه، يصح أعجبني ملاحة الجارية، وسرق ثوب زيد، وتقدم لنا الكلام على إعراب مثل هذه الجملة في قوله: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن} في سورة الأنعام. والذي تقتضيه صناعة العربية أن أنهم معمول لمحذوف، ودل عليه المعنى، وتقديره: قضينا أو حكمنا {أنهم إليهم لا يرجعون}. وقرأ ابن عباس والحسن: إنهم بكسر الهمزة على الاستئناف، وقطع الجملة عن ما قبلها من جهة الإعراب، ودل ذلك على أن قراءة الفتح مقطوعة عن ما قبلها من جهة الإعراب لتتفق القراءتان ولا تختلفا. والضمير في أنهم عائد على معنى كم، وهم القرون، وإليهم عائد على من أسند إليه يروا، وهم قريش؛ فالمعنى: أنهم لا يرجعون إلى من في الدنيا. وقيل: الضمير في أنهم عائد على من أسند إليه يروا، وفي إليهم عائد على المهلكين، والمعنى: أن الباقين لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة، أي أهلكناهم وقطعنا نسلهم، والإهلاك مع قطع النسل أتم وأعم. وقرأ عبد الله: ألم يروا من أهلكنا، وأنهم على هذا بدل اشتمال؛ وفي قولهم: أنهم لا يرجعون، رد على القائلين بالرجعة. وقيل لابن عباس: إن قوماً يزعمون أن علياً مبعوث قبل يوم القيامة، فقال: ليس القوم نحن إذا نكحنا نساءه وقسمنا ميراثه.
وقرأ عاصم، وحمزة، وابن عامر: بتثقيل لما؛ وباقي السبعة: بتخفيفها. فمن ثقلها كانت عنده بمعنى إلا، وإن نافية، أي ما كل، أي كلهم {إلا جميع لدينا محضرون}: أي محشورون، قاله قتادة. وقال ابن سلام: معذبون؛ وقيل: التقدير لمن ما وليس بشيء، ومن خفف لما جعل إن المخففة من الثقيلة، وما زائدة، أي إن كل لجميع، وهذا على مذهب البصريين. وأما الكوفيون، فإن عندهم نافية، واللام بمعنى إلا، وما زائدة، ولما المشددة بمعنى إلا ثابت في لسان العرب بنقل الثقاة، فلا يلتفت إلى زعم الكسائي أنه لا يعرف ذلك. وقال أبو عبد الله الرازي: في كون لما بمعنى إلا معنى مناسب، وهو أن لما كأنها حرفا نفي جميعاً. وهما لم وما، فتأكد النفي؛ وإلا كأنها حرفا نفي إن ولا، فاستعمل أحدهما مكان الآخر.
انتهى، وهذا أخذه من قول الفراء في إلا في الاستثناء أنها مركبة من إن ولا، إلا أن الفراء جعل إن المخففة من الثقيلة وما زائدة، أي إن كل لجميع، وهذا على مذهب البصريين. وأما الكوفيون، فإن عندهم نافية، واللام بمعنى إلا، وما زائدة، ولما المشددة بمعنى إلا ثابت حرف نفي، وهو قول مردود عند النحاة ركيك، وما تركب منه وزاد تحريفاً أرك منه، وكل بمعنى الإحاطة، وجميع فعيل بمعنى مفعول، ويدل على الاجتماع، وجميع محضرون هنا على المعنى، كما أفرد منتصر على اللفظ، وكلاهما بعد جميع يراعى فيه الفواصل.
وجاءت هذه الجملة بعد ذكر الإهلاك تبييناً أنه تعالى ليس من أهله يترك، بل بعد إهلاكهم جمع وحساب وثواب وعقاب، ولذلك أعقب هذا بما يدل على الحشر من قوله: {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها} وما بعده من الآيات. وبدأ بالأرض، لأنها مستقرهم، حركة وسكوناً، حياة وموتاً. وموت الأرض جدبها، وإحياؤها بالغيث. والضمير في لهم عائد على كفار قريش ومن يجري مجراهم في إنكار الحشر. و{أحييناها}: استئناف بيان لكون الأرض الميتة آية، وكذلك نسلخ. وقيل: أحييناها في موضع الحال، والعامل فيها آية بما فيها من معنى الإعلام، ويكون آية خبراً مقدماً، والأرض الميتة مبتدأ؛ فالنية بآية التأخير، والتقدير: والأرض الميتة آية لهم محياة كقولك: قائم زيد مسرعاً، أي زيد قائم مسرعاً، ولهم متعلق بآية، لا صفة. وقال الزمخشري: ويجوز أن يوصف الأرض والليل بالفعل، لأنه أريد بهما الجنسان مطلقين لا أرض، وليل بإحيائهما، فعوملا معاملة النكرات في وصفها بالأفعال ونحوه:
ولقد أمر على اللئيم يسبني ***
وهذا هدم لما استقر عند أئمة النحو من أن النكرة لا تنعت إلا بالنكرة، والمعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة، ولا دليل لمن ذهب إلى ذلك. وأما يسبني فحال، أي ساباً لي، وقد تبع الزمخشري ابن مالك على ذلك في التسهيل من تأليفه. وفي هذه الجمل تعدد نعم إحياؤها بحيث تصير مخضرة تبهج النفس والعين، وإخراج الحب منها حيث صار ما يعيشون به في المكان الذي هم فيه مستقرون، لا في السماء ولا في الهواء، وجعل الحبات لأنهم أكلوا من الحب، وربما تاقت النفس إلى النقلة، فالأرض يوجد منها الحب، والشجر يوجد منه المثر، وتفجير العيون يحصل به الاعتماد على تحصيل الزرع والثمر، ولو كان من السماء لم يدرأ يغرس ولا أين يقع المطر. وقرأ جناح بن حبيش: {وفجرنا} بالتخفيف، والجمهور: بالتشديد. {ومن ثمره} بفتحتين؛ وطلحة، وابن وثاب، وحمزة، والكسائي: بضمتين؛ والأعمش: بضم الثاء وسكون الميم؛ والضمير في ثمره عائد على الماء، قيل: لدلالة العيون عليه ولكونه على حذف مضاف، أي من ماء العيون؛ وقيل: على النخيل، واكتفى به للعلم في اشتراك الأعيان فيما علق به النخيل من أكل ثمره، أو يراد من ثمر المذكور، وهو الجنات، كما قال الشاعر:
فيها خطوط من سواد وبلق *** كأنه في الجلد توليع البهق
فقيل له: كيف قلت بعيون، كأنه والذي تقدم خطوط؟ فقال أرت: كان ذاك. وقيل: عائد إلى التفجير الدال عليه وفجرنا الآية أقرب مذكور، وعنى بثمرة: فوائده، كما تقول: ثمرة التجارة الربح. وقال الزمخشري: وأصله من ثمرنا، كما قال: {وجعلنا}، {وفجرنا}، فنقل الكلام من التكلم إلى الغيبة على طريق الالتفات، والمعنى: ليأكلوا مما خلقه الله من الثمر، ومما عملته أيديهم من الغرس والسقي والآبار وغير ذلك من الأعمال إلى أن بلغ الثمر منتهاه، وبأن أكله يعني أن الثمر في نفسه فعل الله وخلقه، وفيه آثار من كد بني آدم. ويجوز أن تكون ما نافية، على أن الثمر خلق الله، ولم تعمله أيديه الناس، ولا يقدرون على خلقه. وقرأ الجمهور: {ما عملته} بالضمير، فإن كانت ما موصولة فالضمير عائد عليها، وإن كانت نافية فالضمير عائد على الثمر. وقرأ طلحة، وعيسى، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر: بغير ضمير مفعول عملت على التقريرين محذوفة، وجوز في هذه القراءة أن تكون ما مصدرية، أي وعمل أيديهم، وهو مصدر أريد به المعمول، فيعود إلى معنى الموصول.
ولما عدد تعالى هذه النعم، حض على الشكر فقال؛ {أفلا يشكرون}، ثم نزه تعالى نفسه عن كل ما يلحد به ملحد، أو يشرك به مشرك، فذكر إنشاء الأزواج، وهي الأنواع من جميع الأشياء، {مما تنبت الأرض}: من النخل والشجر والزرع والثمر وغير ذلك. وكل صنف زوج مختلف لوناً وطعماً وشكلاً وصغراً وكبراً، {ومن أنفسهم}: ذكوراً وإناثاً، {ومما لا يعلمون}: أي وأنواعاً مما لا يعلمون، أعلموا بوجوده ولم يعلموا ما هو، إذ لا يتعلق علمهم بماهيته، أمر محتاج إليه في دين ولا دنيا. وفي إعلامه بكثرة مخلوقاته دليل على اتساع ملكه وعظم قدرته.
ولما ذكر تعالى الاستدلال بأحوال الأرض، وهي المكان الكلي، ذكر الاستدلال بالليل والنهار، وهو الزمان الكلي؛ وبينهما مناسبة، لأن المكان لا تستغني عنه الجواهر، والزمان لا تستغني عنه الأعراض، لأن كل عرض فهو في زمان، ومثله مذكور في قوله: {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر} ثم قال بعده: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة} الآية. وبدأ هناك بالزمان، لأن المقصود إثبات الوحدانية بدليل قوله: {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر} الآية، ثم الحشر بقوله: {إن الذي أحياها لمحيي الموتى} وهذا المقصود الحشر أولاً لأن ذكره فيها أكثر، وذكر التوحيد في فصلت أكثر بدليل قوله: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض} انتهى، وهو من كلام أبي عبد الله الرازي، وفيه تلخيص.
و {نسلخ}: معناه نكشط ونقشر، وهو استعارة لإزالة الضوء وكشفه عن مكان الليل.
و {مظلمون}: داخلون في الظلام، كما تقول: أعتمنا وأسحرنا: دخلنا في العتمة وفي السحر. واستدل قوم بهذا على أن الليل أصل والنهار فرع طارئ عليه، ومستقر الشمس بين يدي العرش تسجد فيه كل ليلة بعد غروبها. كما جاء في حديث أبي در: «ويقال لها اطلعي من حيث طلعت، فإذا كان طلوعها من مغربها يقال لها اطلعي من حيث غربت، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها، لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً». وقال ابن عباس: إذا غربت وانتهت إلى الموضع الذي لا تتجاوزه، استوت تحت العرش إلى أن تطلع. وقال الحسن: للشمس في السنة ثلاثمائة وستون مطلعاً، تنزل كل يوم مطلعاً، ثم لا تنزل إلى الحول، وهي تجري في فلك المنازل، أو يوم القيامة، أو غيبوبتها، لأنها تجري كل وقت إلى حد محدود تغرب فيه، أو أحد مطالعها في المنقلبين، لأنهما نهايتا مطالعها؛ فإذا استقر وصولها كرت راجعة، وإلا فهي لا تستقر عن حركتها طرفة عين. ونحا إلى هذا ابن قتيبة، أو وقوفها عند الزوال كال يوم، ودليل استقرارها وقوف ذلك الظلام حينئذ. وقال الزمخشري: بمستقر لها: لحدِّها مؤقت مقدر تنتهي إليه من فلكها في آخلا السنة. شبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره، أو كمنتهي لها من المشارق والمغارب، لأنها تتقصاها مشرقاً مشرقاً ومغرباً مغرباً حتى تبلغ أقصاها ثم ترجع، فلذلك حدها ومستقرها، لأنها لا تعدوه أو لا يعدلها من مسيرها كل يوم في مرأى عيوننا وهو المغرب. وقيل: مستقرها: محلها الذي أقر الله عليه أمرها في جريها فاستقرت عليه، وهو آخر السنة. وقيل: الوقت الذي تستقر فيه وينقطع جريها، وهو يوم القيامة.
وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه: في المستقر وجوه في الزمان وفي المكان، ففي الزمان الليل أو السنة أو يوم القيامة، وفي المكان غاية ارتفاعها في الصيف وانخفاضها في الشتاء، وتجري إلى ذلك الموضع فترجع، أو غاية مشارقها، فلها في كل يوم مشرق إلى ستة أشهر، ثم تعود على تلك المقنطرات؛ وهذا هو ما تقدم في الارتفاع. فإن اختلاف المشارق سبب اختلاف الارتفاع، أو وصولها إلى بيتها في الأسد، أو الدائرة التي عليها حركتها، حيث لا تميل عن منطقة البروج على مرور الشمس. ويحتمل أن يقال: تجري مجرى مستقرها، فإن أصحاب الهيئة قالوا: الشمس في فلك، والفلك يدور فيدير الشمس، فالشمس تجري مجرى مستقرها. انتهى. وقرئ: إلى مستقرها. وقرأ عبد الله، وابن عباس، وعكرمة، وعطاء بن رباح، وزين العابدين، والباقر، وابنه الصادق، وابن أبي عبدة: لا مستقر لها، نفياً مبنياً على الفتح، فيقتضي انتفاء كل مستقر وذلك في الدنيا، أي هي تجري دائماً فيها، لا تستقر؛ إلا ابن أبي عبلة، فإنه قرأ برفع مستقر وتنوينه على إعمالها إعمال ليس، نحو قول الشاعر:
تعز فلا شيء على الأرض باقياً *** ولا وزر مما قضى الله واقياً
الإشارة بذلك إلى جري الشمس: أي ذلك الجري على ذلك التقدير والحساب الدقيق. {تقدير العزيز}: الغالب بقدرته على كل مقدور، المحيط علماً بكل معلوم. وقرأ الحرميان، وأبو عمرو، وأبو جعفر، وابن محيصن، والحسن: بخلاف عنه. {والقمر}: بالرفع على الابتداء؛ وباقي السبعة: بالنصب على الاشتغال. و{قدرناه} على حذف مضاف، أي قدرنا سيره، و{منازل}: طرف، أي منازله؛ وقيل: قدرنا نوره في منازل، فيزيد مقدار النور كل يوم في المنازل الاجتماعية وينقص في المنازل الاستقبالية. وقيل: قدرناه: جعلنا أنه أجري جريه عكس منازل أنوار الشمس، ولا يحتاج إلى حذف حرف الصفة، فإن جرم القمر مظلم، ينزل فيه النور لقبوله عكس ضياء الشمس، مثل المرأة المجلوة إذا قوبل بها الشعاع.
وهذه المنازل معروفة عند العرب، وهي ثمانية وعشرون منزلة، ينزل القمر كل ليلة في واحد منها، لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه، على تقدير مستولا بتفاوت، يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين، ثم يسير ليلتين إذا نقص الشهر، وهذه المنازل هي مواقع النجوم التي نسبت إليها العرب الأنواء المستمطرة، وهي: الشرطين، البطين، الثريا، الدبوان، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرف، الجبهة، الدبرة، الصرفة، العواء، السماك، العفر، الزباني، الإكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الأخبية، فرع الدلو المقدم، فرع الدلو المؤخر، بطن الحوت، ويقال له الرشاء، فإذا كان في آخر منازله دق واستقوس واصفر، فشبه بالعرجون القديم من ثلاثة الأوجه. وقرأ سليمان التيمي: كالعِرجون، بكسر العين وفتح الجيم؛ والجمهور: بضمها، وهما لغتان كالبريون. و{القديم}: ما مر عليه زمان طويل. وقيل: أقل عدة الموصوف بالقدم حول، فلو قال رجل: كل مملوك لي قديم فهو حر، أو كتب ذلك في وصية، عتق منهم من مضى له حول وأكثر. انتهى. والقدم أمر نسبي، وقد يطلق على ما ليس له سنة ولا سنتان، فلا يقال العالم قديم، وإنما تعتبر العادة في ذلك.
{لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر}: ينبغي لها مستعملة فيما لا يمكن خلافه، أي لم يجعل لها قدرة على ذلك، وهذا الإدراك المنبغي هو، قال الزمخشري: إن الله تعالى جعل لكل واحد من الليل والنهار وآيتيهما قسماً من الزمان، وضرب له حداً معلوماً، ودبر أمرهما على التعاقب. فلا ينبغي للشمس أن لا يستهل لها، ولا يصح، ولا يستقيم، لوقوع التدبير على العاقبة. وإن جعل لكل واحد من النيرين سلطان، على حياله أن يدرك القمر، فتجتمع معه في وقت واحد، وتداخله في سلطانه، فتطمس نوره. ولا يسبق الليل النهار، يعني آية الليل آية النهار، وهما النيران. ولا يزال الأمر على هذا الترتيب إلى أن يبطل الله ما دبر من ذلك، وينقص ما ألف، فيجمع بين الشمس والقمر، فتطلع الشمس من مغربها.
انتهى. وقال ابن عباس، والضحاك: إذا طلعت، لم يكن للقمر ضوء؛ وإذا طلع، لم يكن للشمس ضوء. وقال مجاهد: لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر. وقال قتادة: لكل أحد حدّ لا يعدوه ولا يقصر دونه، إذا جاء سلطان هذا ذهب هذا. وقال ابن عباس أيضاً: إذا اجتمعا في السماء، كان أحدهما بين يدي الآخر، في منازل لا يشتركان فيها. وقال الحسن: لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة، أي لا تبقى الشمس حتى يطلع الفجر، ولكن إذا غربت طلع. وقال يحيى بن سلام: لا تدركه ليلة البدر خاصة، لأنه يبادر بالمغيب قبل طلوعها. وقيل: لا يمكنها أن تدركه في سرعته، لأن دائرة فلك القمر داخلة في فلك عطارد، وفك عطارد داخل في فلك الزهرة، وفلك الزهرة داخل في فلك الشمس. فإذا كان طريق الشمس أبعد، قطع القمر جميع أجزاء فلكه، أي من البروج الاثني عشر، في زمان تقطع الشمس فيه برجاً واحداً من فلكه. وقال النحاس: ما قيل فيه، وأبينه أن مسير القمر مسير سريع، والشمس لا تدركه في السير. انتهى، وهو ملخص القول الذي قبله: {ولا الليل سابق النهار}، لا يعارض قوله: {يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً} لأن ظاهر قوله: {يطلبه حثيثاً}، أن النهار سابق أيضاً، فيوافق الظاهر. وفهم أبو عبد الله الرازي من قوله: {يطلبه حثيثاً} أن النهار يطلب الليل، والليل سابقه. وفهم من قوله: {ولا الليل سابق النهار}، أن الليل مسبوق لا سابق، فأورده سؤالاً. وقال: كيف يكون الليل سابقاً مسبوقاً؟ وأجاب بأن المراد من الليل هنا سلطان الليل، وهو القمر، وهو لا يسبق الشمس بالحركة اليومية السريعة. والمراد من الليل هناك نفس الليل، وكل واحد لما كان في عقب الآخر كان طالبه. انتهى. وعرض له هذا السؤال لكونه جعل الضمير الفاعل في يطلبه عائداً على النهار، وضمير المفعول عائداً على الليل. والظاهر أن ضمير الفاعل عائد على ما هو الفاعل في المعنى وهو الليل، لأنه كان قبل دخول همزة النقل {يغشى اليل النهار} وضمير المفعول عائد على النهار، لأنه المفعول قبل النقل وبعده. وقرأ عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير الخطفي: سابق بغير تنوين، النهار: بالنصب. قال المبرد: سمعته يقرأ فقلت: ما هذا؟ قال: أردت سابق النهار، فحذفت لأنه أخف. انتهى، وحذف التنوين فيه لالتقاء الساكنين. وتقدّم شرح: {وكل في فلك يسبحون} في سورة الأنبياء.
والظاهر من الذرية أنه يراد به الأبناء ومن نشأ منهم. وقيل: ينطلق على الآباء وعلى الأبناء، قاله أبو عثمان. وقال ابن عطية: هذا تخليط، ولا يعرف هذا في اللغة. انتهى. وتقدّم الكلام في الذرية في آل عمران.
والظاهر أن الضمير في لهم وفي ذرياتهم عائد على شيء واحد، فالمعنى أنه تعالى حمل ذريات هؤلاء، وهم آباؤهم الأقدمون، في سفينة نوح عليه السلام، قاله ابن عباس وجماعة. ومن مثله: للسفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة أو أريد بقوله: ذرياتهم، حذف مضاف، أي ذريات جنسهم، وأريد بالذرية من لا يطيق المشي والركوب من الذرية والضعفاء. فالفلك اسم جنس من عليهم بذلك، وكون الفلك مراداً به الجنس، قاله ابن عباس أيضاً ومجاهد والسدّي، ومن مثله: الإبل وسائر ما يركب. وقيل: الضميران مختلفان، أي ذرية القرون الماضية، قاله عليّ بن سليمان، وكان آية لهؤلاء، إذ هم نسل تلك الذرية. وقيل: الذرية: النطف، والفلك المشحون: بطون النساء، ذكره الماوردي، ونسب إلى عليّ بن أبي طالب، وهذا لا يصح، لأنه من نوع تفسير الباطنية وغلاة المتصوفة الذين يفسرون كتاب الله على شيء لا يدل عليه اللفظ بجهة من جهات الدلالة، يحرفون الكلم عن مواضعة. ويدل على أنه أريد ظاهر الفلك قوله: {وخلقنا لهم من مثله ما يركبون}: يعني الإبل والخيل والبغال والحمير، والمماثلة في أنه مركوب مبلغ للأوطان فقط، هذا إذا كان الفلك جنساً. وأما إن أريد به سفينة نوح، فالمماثلة تكون في كونها سفناً مثلها، وهي الموجودة في بني آدم. ويبعد قول من قال: الذرية في الفلك قوم نوح في سفينته، والمثل الأجل: وما يركب، لأنه يدفعه قوله: {وإن نشأ نغرقهم}. وقرأ نافع، وابن عامر، والأعمش، وزيد بن عليّ، وأبان بن عثمان: ذرياتهم بالجمع؛ وكسر زيد وأبان الذال؛ وباقي السبعة، وطلحة، وعيسى: بالإفراد. وقال الزمخشري: ذريتهم: أولادهم ومن يهمهم حمله. وقيل: اسم الذرية يقع على النساء، لأنهن مزراعها. وفي الحديث: «أنه نهى عن قتل الذراري»، يعني النساء.
{من مثله}: من مثل الفلك، {ما يركبون}: من الإبل، وهي سفائن البر. وقيل: {الفلك المشحون}: سفينة نوح. ومعنى حمل الله ذرياتهم فيها: أنه حمل فيها آباؤهم الأقدمون، وفي أصلابهم هم وذرياتهم. وإنما ذكر ذرياتهم دونهم، لأنه أبلغ في الامتنان عليهم، وأدخل في التعجب من قدرته في حمل أعقابهم إلى يوم القيامة في سفينة نوح. و{من مثله}: من مثل ذلك الفلك، {ما يركبون}: من السفن. انتهى. وقال أبو عبد الله الرازي: إنما خص الذريات بالذكر، لأن الموجودين كانوا كفاراً لا فائدة في وجودهم، أي لم يكن الحمل حملاً لهم، وإنما كان حملاً لما في أصلابهم من المؤمنين. وقال أيضاً: الضمير في وآية لهم عائد على العباد في قوله: {يا حسرة على العباد} ثم قال بعد {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها}، {وآية لهم الليل}، {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم}: ذريات العباد، ولا يلزم أن يكون الضمير في الموضعين لمعنيين، فهو كقوله: {لا تقتلوا أنفسكم} إنما يريد: لا يقتل بعضكم بعضاً، فذلك هذا. {وآية لهم}: أي آية كل بعض منهم، {أنا حملنا} ذرية كل بعض منهم، أو ذرية بعض منهم. انتهى. والظاهر فلي قوله: {وخلقنا} أنه أريد الإنشاء والاختراع، فالمراد الإبل وما يركب، وتكون من للبيان، وإن كان ما يصنعه الإنسان قد ينسب إلى الله خلقاً، لكن الأكثر ما ذكرنا. وإذا أريد به السفن، تكون من للتبعيض، ولهم الظاهر عوده على ما عاد عليه {وآية لهم}، لأنه المحدث عنهم، وجوز أن يعود على الذرية؛ والظاهر أن الضمير في مثله عائد على الفلك. وقيل: يعود على معلوم غير مذكور وتقديره: من مثل ما ذكرنا من المخلوقات في قوله: {سبحان الذين خلق الأزواج كلها مما تنيبت الأرض}، كما قالوا: في قوله {من ثمره}، أي من ثمر ما ذكرنا. وقرأ الحسن: نغرقهم مشدداً؛ والجمهور: مخففاً؛ والصريح: فعيل بمعنى صارخ: أي مستغيث، وبمعنى مصرخ: أي مغيث، وهذا معناه هنا، أي فلا مغيث لهم ولا معين. وقال الزمخشري: {فلا صريح لهم}: أي فلا إغاثة لهم. انتهى. كأنه جعله مصدراً من أفعل، ويحتاج إلى نقل أن صريخاً يكون مصدراً بمعنى صراخ. والظاهر أن قوله: {فلا صريح لهم}: أي لا مغيث لهؤلاء الذين شاء الله إغراقهم، {ولا هم ينقذون}: أي ينجون من الموت بالغرق. نفي أولاً الصريخ، وهو خاص؛ ثم نفى ثانياً إنقاذهم بصريخ أو غيره. وقال ابن عطية: وقوله {فلا صريح لهم} استئناف إخبار عن المسافرين في البحر، ناجين كانوا أو مغرقين، فهم في هذه الحال لا نجاة لهم إلا برحمة الله. وليس قوله: {فلا صريح لهم} مربوطاً بالمغرقين، وقد يصح ربطه به، والأول أحسن فتأمله. انتهى، وليس بحسن ولا أحسن. والفاء في {فلا صريح لهم} تعلق الجملة بما قبلها تعليقاً واضحاً، وترتبط به ربطاً لائحاً. والخلاص من العذاب بما يدفعه من أصله، فنفي بقوله: {فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ}، وما يرفعه بعد وقوعه، فنفي بقوله: {ولا هم ينقذون}. وانتصب {رحمة} على الاستثناء المفرغ للمفعول من أجله، أي لرحمة منا. وقال الكسائي، والزجاج: {إلى حسن}: أي إلى حين الموت، قاله قتادة. وقال الزمخشري: إما لرحمة منا، وليتمتع بالحياة إلى حين: أي إلى أجل يموتون فيه لا بد لهم منه بعد النجاة من موت الغرق. انتهى. وإنما قال: لا بد لهم من موت الغرق، لأنه تعالى قال {وإن نشأ}: أي إغراقهم، {نغرقهم}: فمن شاء إغراقه لا بد أن يموت بالغرق. والظاهر أن {رحمة}، {ومتاعاً إلى حين} يكون للذين ينقذون، فلا يفيد الدوام، بل ينقذه الله رحمة له ويمتعه إلى حين ثم يميته. وقيل: فيه تقسيم، إلا رحمة لمن علم أنه يؤمن من فينقذه الله رحمة، ومن علم أنه لا يؤمن يمنعه زماناً ويزداد إثماً.

1 | 2